في المقهى الوطني<br>مسعود الجولاني - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


في المقهى الوطني
مسعود الجولاني – 02\07\2009
جرت العادة منذ سنين خلت، بفضل نخبة غير منتخبة، أن نلتقي جميعا أثناء أيام متباعدة و معدودة من كل سنة في المقهى الوطني المعهود. كنا وما زلنا نمارس هذه العادة، ولكن شتان ما بين همسات قمر ليالي السمر وما بين ضجيج الأقمار الاصطناعية. بالأمس كنا نهب، نهتف ونحتفل سوية بالمناسبة، واليوم صرنا نصرّح، "نزاود" ونحتفل بأنفسنا وبجيش مرافقينا. كنا نحدد ثوابت ونخط وثيقة مشرفة، وأصبحنا نفتعل الأحداث لنسجل المواقف... كنا نصنع التاريخ فبتنا لا نملك إلا استهلاكه.
ولكننا التقينا اليوم وكأننا نلتقي للمرة الأولى، وصلنا أفرادا خجولة وجماعات منفصلة، وكل مجموعة التفّت حول طاولة مستديرة.. كل يحدث رفاقه وغير آبه بباقي المجموعات، يتجاهلها وكأنه يجهلها، لعلها أزمة ذاكرة أو ربما ضعف البصر وتشوه البصيرة.
وكان واضحا جليا في قاعة المقهى أن إحدى الحلقات المستديرة التي أبت إلا أن تكون في المركز، كانت تتسع وتتسع رغم قلة عدد أفرادها، لدرجة أنه تعسر عليهم الاتصال فيما بينهم لتباعد المسافات، وسمعت متعهد المقهى يحدث كبيرهم قائلا:
"اذا استمريتم بهذا النهج ربما ستندثرون أفرادا في زوايا القاعة"
,فأجابه :"ضرورة الوضع وخطورة المرحلة تحتم علينا أن نكون بقلب الحدث وأن نتسرب لكافة الجهات".
وما بين عجقة جماعات متباعدة وهدوء افراد متقاربة، بدأت السهرة ذات المقومات المتكاملة: مطرب وطني، مأكولات عربية، راقصة شرقية، ومشروبات روحية... فهاجت الحشود وماجت ولم يكن لديها وقت لالتقاط الأنفاس وللإحساس بالتعب، فكانت ساحة الرقص أشبه بجبهة مواجهة، كل يريد احتلالها ليصل بهامة مرفوعة وصدر منتفخ أمام كاميرات المصورين.. وما أكثرهم.

وبعد أن أنهك الليل سهرا وراح يسيل سواده قطرة قطرة، ليتحول بداية فجر أشقر، حينها خطف أحدهم المايكروفون وأعلن عن نهاية السهرة. والغريب العجيب كيف اختفى المشاركون لحظة الإعلان تلك بسرعة مذهلة، دون ظهور علامات تحسر على اختتام هذه الأمسية.
وكان آخر من خرج من القاعة شابان لم يرتشفا شيئا من المشروبات المحرمة، وفي لحظة خروجهما من باب المقهى، سأل أحدهما الآخر:
"ترى، ما اسم هذه المناسبة التي احتفلنا بها"
فأجابه: "كل ما أذكره هو محاسن الراقصة الشرقية".